رسالة الأمل: كيف يحول الإيمان العطاء إلى مشروع مستدام؟

Getting your Trinity Audio player ready...

محمد تهامي

مستشار التطوير المؤسسي والمشروعات

في زاوية هادئة من العالم، حيث تتلاقى الأحلام بالعمل ويصبح الإيمان وقودًا للأمل، كانت هناك أسرة فريدة من نوعها، ليست بما تملكه، بل بما تمنحه، في مركز هذه الأسرة كان هناك رجل استثنائي، رجل صقلته الحياة وألهمته التجارب ليصبح قائدًا لا يهدأ، لا يتوقف عن السعي نحو الخير، كان منذ صغره يتأمل والده بعينين مفعمتين بالإعجاب، ذاك الأب الذي علّمه أن العزيمة تُبنى بالكدّ، وأن العطاء لا يكون فقط بما تُقدّمه اليد، بل بما يضيئه القلب من نور الأمل.

كبر الفتى، ومع كل خطوة كان يحمل إرثًا عظيمًا من القيم التي زرعها فيه والده، لم يكن مجرد شاب يسعى لتحقيق أحلامه، بل كان باحثًا عن إجابة لسؤال أعمق: كيف يمكن أن يصبح الخير طاقة دائمة، لا تنتهي بانتهاء الأشخاص؟ كيف يمكن أن يتحول العطاء إلى مشروع مستدام يحمل الأثر عبر الأجيال؟ بتوفيق الله، بدأت رحلته حين انضم إلى مؤسسة خيرية مرموقة، لم تكن هذه المؤسسة مجرد مكان للعمل، بل كانت منصة أطلقت شغفه نحو تحقيق رؤيته، رأى فيها فرصة لصياغة رسالة جديدة، حيث يتجاوز العطاء حدود المساعدة الآنية ليصبح أملًا يتجدد مع كل مشروع جديد، أدرك أن بناء المدارس والمستشفيات وحفر الآبار ليس سوى البداية، بينما الهدف الحقيقي هو بناء حياة متكاملة، تبدأ من قلوب الناس وتستمر عبر الأجيال، لكن طريقه لم يكن سهلًا؛ التحديات كانت كثيرة، من نقص الموارد إلى صعوبة التخطيط والإقناع. ومع ذلك، كان شعاره دائمًا: “الراحة للرجال غفلة.” قاده إصراره إلى أبعد الأماكن، من القرى النائية في آسيا إلى سهول إفريقيا، حاملًا معه رسالة واحدة: “نحن هنا نبني الإنسان.”

وراء هذا الرجل، كانت هناك شريكة حياة تحمل ذات العزيمة والرؤية، لم تكن مجرد زوجة، بل كانت الداعم الأول والركيزة الثابتة، أدركت مبكرًا أن العطاء ليس فقط ما يقدمه الزوج خارج البيت، بل ما تُنشئه هي داخله، كانت ترى أن دورها لا يقل أهمية عن دوره؛ فهي تبني الداخل ليكون امتدادًا للخارج، تحملت تحديات لا تُحصى، لكنها حولت البيت إلى مدرسة تُزرع فيها القيم، وحقل ينمو فيه الحب والتفاني، أبناؤها كانوا البذور التي تعهدتها بالرعاية، ليكملوا رسالة والدهم، علّمتهم أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالشهادات فقط، بل بالأثر الذي يتركونه في حياة الآخرين، الأبناء كانوا ثمرة هذا التوازن العجيب، لم يكونوا مجرد طلاب يحققون التفوق الأكاديمي، بل كانوا نماذج حيّة للقيم التي نشأوا عليها، تعلموا أن العطاء ليس خيارًا، بل أسلوب حياة، وأن التغيير الحقيقي يبدأ بخطوة صغيرة، لكنها مُفعمة بالإيمان.

استمر الرجل في مسيرته، متجاوزًا كل العقبات، متسلحًا بإيمانه العميق بأن العطاء ليس مشروعًا ينتهي، بل حياة مستدامة تستمر حتى بعد رحيل صاحبها، كان يؤمن أن المشاريع أو المؤسسات لا تكون عظيمة إلا إذا غُرست في قلوب الناس، وجعلتهم جزءًا من التغيير.

وفي ختام هذه الحكاية، يتجلى معنى الحياة المستدامة في شخص هذا الرجل وأسرته، حياته لم تكن مجرد رحلة مليئة بالعمل، بل كانت مشروعًا مستدامًا، يفيض بالخير والعطاء، أسرته لم تكن فقط داعمة، بل كانت امتدادًا لهذه الرسالة، زوجة وأبناء حملوا معه راية الأمل، ليغمروا العالم بضياء عطائهم، كما قال مانديلا: “ما الحياة إلا شعلة علينا أن نحملها إلى الأمام حتى نضيء بها دروب الآخرين.” هذه الأسرة حملت الشعلة منذ البداية، لتصنع نورًا لا ينطفئ. أضاءت قلوبًا، وبنت حيوات، وتركت إرثًا خالدًا، لم يسعوا يومًا وراء الأضواء، بل كانوا هم الأضواء التي تُرشد من يأتي بعدهم، وتجعل من حكايتهم إلهامًا لكل من يؤمن بأن العطاء حياة، وأن الخير يمكن أن يكون مشروعًا مستدامًا لا ينتهي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top