|
Getting your Trinity Audio player ready...
|

في عالم المؤسسات الكبيرة، حيث يتجدد الولاء مع كل مهمة جديدة، تختبئ قصص ملهمة تحت ضغوط العمل وتحدياته، قصصٌ تعكس التزام الأفراد بروح الفريق وتجسد القيادة الحقيقية التي تُصقل في ميدان التجارب، وفي إحدى تلك المؤسسات التي تحمل على عاتقها رسالة سامية، اجتمع ثلاثة من القادة البارزين ليختاروا فريقًا مميزًا لتنفيذ مشروع استراتيجي في موقع بعيد، مشروع تطلب استعدادًا استثنائيًا ومهنية عالية لإتمامه في ظروف قاسية لا تقبل التهاون.
اختيار الفريق لم يكن مهمة سهلة، عُقدت مقابلات مكثفة ووضعت معايير صارمة لاختيار من يمكنهم تمثيل روح المؤسسة، وكان الاختيار في النهاية على مجموعة من الزملاء الذين جمعتهم تجربة مشتركة في معاهد تخصصية، حيث خضعوا لدورات متقدمة في الإدارة والتخطيط، كانت العلاقة بينهم قوية، مبنية على الاحترام المتبادل والعمل الجماعي، وهو ما جعلهم مثاليين لهذه المهمة التي تطلبت أكثر من مجرد المهارات الفردية، الرحلة إلى موقع العمل كانت مليئة بالتحديات، امتدت أكثر من خمس عشرة ساعة، قطعت خلالها المجموعة مسافات طويلة عبر تضاريس صعبة، ورغم أن الإرهاق بدأ يظهر عليهم تدريجيًا، إلا أن روح الفريق ظلت متماسكة، كان عليهم فور وصولهم الشروع في إنزال المعدات وترتيب الموارد، وهو عمل يتطلب دقة وتنظيمًا كبيرين.
القائد المسؤول عن المهمة، المعروف بحنكته وعدالته، كان يراقب الفريق بصمت، يلاحظ ديناميكيات العمل وكيفية تفاعل الأفراد مع الضغوط، ورغم العلاقات الطيبة بين الزملاء، بدأت الاختلافات في الأداء تظهر بمرور الوقت، البعض استسلم للتعب بعد ساعات طويلة من العمل، بينما استمر آخرون، ومن بينهم صلاح، الذي أثبت أنه أكثر من مجرد موظف مجتهد. صلاح لم يكن من أولئك الذين يبحثون عن الأضواء، عمله الصامت وتفانيه كانا يعكسان قيمًا راسخة: الالتزام التام والولاء الذي لا يتزعزع، في ساعة متأخرة من الليل، وبينما أخذ الفريق قسطًا من الراحة، قرر القائد زيارة الموقع بنفسه لتفقد العمل، هناك، في صمت الليل، رأى صلاح منشغلًا بالترتيب واستكمال المهمة، يعمل بتركيز وكأن الإرهاق لم يمسّه، وحين سأله القائد: “لكن ما الذي يدفعك للاستمرار؟ أليست الراحة حقًا للجميع بعد يوم شاق؟” أجاب صلاح بإصرار وهدوء: “العمل يا سيدي ليس مجرد واجب ننفذه، بل شرف نحمله على عاتقنا، أنا هنا لأعطي كل ما أملك، ليس لأن أحدًا يراقبني، بل لأنني أؤمن أن الإنجاز الحقيقي يبدأ عندما نقدم أفضل ما لدينا، حتى في غياب الأنظار، وهو شرف ومسؤولية، وأعرف أن الجهد الذي أقدمه اليوم سيبقى أثره غدًا.”
كان رد صلاح بسيطًا، لكنه حمل في طياته معاني عميقة، القائد أدرك أنه أمام نموذج فريد من الالتزام، ليس فقط في العمل، بل في الروح التي يضعها في كل مهمة يكلف بها، وفي اليوم التالي، اجتمع القادة الثلاثة لإجراء تقييم شامل للأداء، كانت المعايير دقيقة وعادلة، شملت القدرة على العمل تحت الضغط، التعاون الجماعي، واستغلال الموارد بكفاءة، النتيجة كانت واضحة: النجاح الذي تحقق كان نتاج العمل الجماعي والتنسيق بين جميع أفراد الفريق، لكن القادة أدركوا أن صلاح يمثل قيمة مضافة، نموذجًا للقيم التي تسعى المؤسسة لترسيخها، القرار كان بترقية صلاح إلى منصب إشرافي جديد، ليصبح مثالًا يُحتذى به، ويقود برؤيته الملهمة فريقًا جديدًا نحو تحقيق المزيد من الإنجازات، وكما قال خالد بن الوليد: “إن الجهد الذي يُبذل في سبيل الحق لا يضيع أبدًا.”
في النهاية، القيادة ليست مجرد إصدار الأوامر، بل اكتشاف الأفراد الذين يحملون تلك القيم الاستثنائية وإبرازهم ليكونوا قدوة للآخرين، وكما أثبتت هذه القصة، فإن الإخلاص الحقيقي لا ينتظر مكافأة أو شهودًا، بل يكفي أن ينبع من قلوب صادقة وأيدٍ مخلصة، هكذا تُبنى المؤسسات العظيمة، تلك التي تحتضن الإخلاص وتوجه الطاقات نحو تحقيق أهدافها، فتغرس في كل فرد شعورًا بالمسئولية والانتماء، وهكذا تُبنى المؤسسات العظيمة، تخلد قصص العطاء والولاء الذي يتجدد في كل مهمة، وصدق القائل: ” الإدارة الواعية هي التي تنظر إلى الإنسان كطاقة تُبنى بها الأوطان، فتستثمر في قدراته ليكون جزءًا من نهضة المجتمع