تأثير القيم الأسرية في بناء شخصية قيادية فذة

Getting your Trinity Audio player ready...

محمد تهامي

مستشار التطوير المؤسسي والمشروعات

في بيتٍ قديمٍ بحيٍ تتمازج فيه بساطة المكان وعمق القيم، ترعرع صلاح في كنف أسرةٍ متشبعة بروح الإيمان والاستقامة، هناك، حيث تتلاقى بساطة العيش مع خلاصة التجارب، نشأ على مبادئ تحمل في طياتها معاني القيادة والمثابرة، التي غُرست في أعماق روحه كما تُغرس البذور في التربة الصالحة، كان الوالد، رجلًا رزقه الله الحكمة وقوة العزيمة، يقضي أيامه في الكد والعمل، يجتهد في طلب الرزق ويبدأ نهاره مع أولى نداءات الفجر، يخرج إلى المسجد كالفلاح إلى حقله، مطمئنًا بعبارته المعتادة: “أصبحتُ لله ضيفًا، وضيف الله لا يُضام.” كان صلاح يراقب هذا المشهد يوميًا، وكأن تلك اللحظات تخلّد في قلبه معنى الجدية والإخلاص والتوكل الصادق.

أما والدته، فقد كانت نبراسًا للقيم والأخلاق، ملاذًا لا ينضب من العطاء والإيثار، لم يكن قلبها لينفصل عن سخاء يديها، فهي الأم التي تتفقد الأرامل والأسر ذات الاحتياجات، وتحث ابنها على مساعدة الضعفاء بحب وإخلاص، دون أن تُظهر ما تُخفيه يداها من خير، كانت تُعلم صلاح أن العطاء الحقيقي لا يحتاج إلى أنظار الناس، بل إلى قلبٍ صادقٍ يخشى الله في سره وعلانيته، في صغره، كان صلاح يرافق والده إلى المسجد والسوق، يشاهد كيف يسعى لخدمة الناس بمسؤولية أخلاقية، ويساعد النساء في حمل أثقالهن، ويتعلم أن العمل الشريف مسؤولية واجبة، وفي أيام العطل، كان والده يصطحبه إلى العمل ليكتسب مهارات الحياة، بحكم أنه كان يشغل وظيفه، لا سيما أنه كان نموذجًا في الإخلاص والتفاني في العمل، يُضرب به المثل في الجدية، تلك القيم التي تركت أثرًا كبيرًا في شخصية صلاح.

في المقابل، كانت والدته تغرس فيه معاني الإحسان والتواضع، داعيةً إياه لتنظيف المسجد، ومساعدة الجيران وأبناء الحيّ في دراستهم دون انتظار مقابل، فينمو بداخل صلاح حس العطاء والمسؤولية بتلقائية، ليصبح نموذجًا في توازن السعي المادي والقيم الروحية، هذا التمازج بين الجدية والإحسان، بين الاجتهاد والعطاء، شكّل شخصية كقائد بالفطرة، يوازن بين حزم العقل ورأفة القلب، لقد تعلم من والده أن القيادة ليست هيمنة، بل خدمة الناس وتعزيز قيمهم، بينما كانت والدته نموذجًا للقيم الإنسانية.

ومع مرور السنوات، أضحت هذه القيم أسلوب حياة لدى صلاح، فاستثمر ما تربى عليه في بناء مؤسسات تعتمد على استقامة القيم وحسن التدبير، حيث سعى إلى بناء فرقٍ عملت بروح الفريق وأخلصت لأهدافها، إن حكاية صلاح ليست مجرد قصة نشأ بين أحضان والديه، بل هي انعكاس لكيفية تمازج قيم الاستقامة والعطاء لتصنع قادةً ملهمين في مجتمعاتهم، لقد نجح في تجسيد ما تربى عليه، محققًا مقولة الإمام الغزالي: “صلاح المرء في ظاهره لا يتحقق إلا إذا كان صلاحًا في باطنه”، ليصبح رمزًا يُحتذى به في القيادة الواعية والمسؤولة، وصانعًا لقيمٍ تتجاوز الأجيال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top