القيادة الإيمانية: فلسفة توازن بين القيم الروحية والمسؤوليات العملية

Getting your Trinity Audio player ready...

محمد تهامي

مستشار التطوير المؤسسي والمشروعات

في فجر يومٍ هادئ، عندما تلامس أشعة الشمس أولى أطراف الأرض، يُصبح القائد على موعدٍ مع لحظة تأمل لا تضاهيها لحظة، حيث يهمس في قلبه بآيةٍ كريمة: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين”. ليست هذه مجرد كلمات تُردد على اللسان، بل هي الإيمان الذي يضطرم في قلب القائد، ويجعل من كل عمل يسعى لتحقيقه جزءًا من رسالة سامية. القيادة الإيمانية هي الشعلة التي تضيء درب هذا القائد، وتجعله يبني أساسًا قويًا لمؤسسة يسودها العدل، والمصداقية، والتفاني.

الإدارة الإيمانية، إذن، ليست مجرد أسلوب عمل، بل هي فلسفة حياة تُتَرجم إلى خطوات عملية تُنفذ على أرض الواقع، القائد الذي يتسم بتلك الروح الإيمانية لا يُقاس نجاحه في تحقيق الأهداف المادية فحسب، بل يُقاس بتأثيره في القيم التي يزرعها في كل زاوية من زوايا مؤسسته. في المؤسسات الخيرية، حيث التحديات ليست محصورة فقط في الميزانيات والموارد، بل في القدرة على الحفاظ على الإخلاص في العمل، يتجسد دور القائد الإيماني في موازنته بين الهمّ المادي والرسالة الروحية، ومع مرور الزمن، تبدأ القيادة الرشيدة بالتأثير بشكلٍ تدريجي، وتنعكس في طريقة تفاعل القائد مع فريقه، فالقائد الحكيم هو الذي لا يقتصر دوره على إصدار الأوامر فقط ، بل يمد يده إلى كل فرد في فريقه، ليشعرهم بأهمية دورهم في بناء المستقبل، والقدرة على تحمل المسؤولية بشجاعة وحكمة، لا سيما عندما تتطلب المواقف اتخاذ قرارات حاسمة تؤثر على مصير المؤسسة.

وبالرغم من التحديات التي تواجه القادة، إلا أن الإدارة الإيمانية تتطلب رؤية واضحة، تتضمن موازنة بين القيم الروحية والتطبيق العملي للأنظمة واللوائح، ففي وسط الإغراءات المادية التي تحيط بالمؤسسات، يمكن أن تُختبر نزاهة القائد في لحظات حرجة، وفي تلك اللحظات، يظهر الفرق بين القائد الذي يسير على نهج القيم وبين أولئك الذين يتغاضون عنها في سبيل مصلحة فورية، القائد الإيماني يدرك أن التمسك باللوائح ليس تقييدًا، بل هو ضرورة لرفع المؤسسة، وضمان استدامتها، إذ لا يوجد نجاح حقيقي دون التزام بالنظم التي تحمي المؤسسة وتعزز من سمعتها في المجتمع.

وتتجسد القيادة الإنسانية في الاهتمام بالفريق والاستماع إليهم، وفهم احتياجاتهم، ومشاركة همومهم، وتجعل من كل موظف جزءًا من مشروع أكبر، يشعر كل منهم بأنه مساهم في بناء مستقبلٍ مُشرق. وعندما يرى القائد أن الروح المعنوية للفريق تتراجع، يتخذ خطوة غير تقليدية، يعقد اجتماعًا فرديًا مع كل فرد، ليس كقائد يقف فوقهم، بل كرفيق يُشعل في قلوبهم الأمل ويُذكّرهم بقيمة أعمالهم في إطار رؤية أسمى.، وفي قلب الأزمة، عندما يُواجه نقص في الإمدادات أو تحديات مالية، يستمد القائد إيمانه وثقته في قدراته من قوله تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه” فيجد الحلول الجذرية، ويُحفز فريقه على التحلي بالمسؤولية، ويُؤكد لهم أن القيم الإنسانية، مثل النزاهة والمصداقية، هي التي تعزز من قدرة المؤسسة على تجاوز المحن وتحقيق النجاح المستدام، وصدق الإمام الغزالي في قوله: “التوكل الحقيقي أن تعمل كأن كل شيء يعتمد عليك، وأن تتوكل على الله كأنك لا تملك من الأمر شيئًا”.

ثم تأتي لحظة الاختبار الحقيقية، حيث يُعرض على القائد عرض مغرٍ يُطالب فيه بكشف معلومات حساسة قد تضر بالمؤسسة، وفي هذه اللحظة الحاسمة، يتذكر قول الله تعالى: “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”. فالنزاهة، كما يراها، هي ميثاق شرف بينه وبين خالقه، إن المحافظة على الشفافية والمصداقية هو الذي يجعل المؤسسة تواصل نموها بثبات على أسس قوية لا تتزعزع، مهما كانت التحديات، إن هذه القيادة لا تسعى لتحقيق الأهداف المادية فقط، بل تهدف إلى بناء مؤسسة رائدة تستمر في إضاءة الطريق للآخرين، هذه القيادة التي تعزز التوازن بين الالتزام بالنظم الإدارية، والتمسك بالثوابت الأخلاقية، والقيم الإنسانية، كما قال العقاد :” ليست الأخلاق أن تكون صالحًا فحسب، بل أن تصلح نفسك والناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top