الشراكة الحقيقية لا تقوم على مجرد التمويل، بل على بناء الثقة وتعظيم الأثر

Getting your Trinity Audio player ready...

محمد تهامي

مستشار التطوير المؤسسي والمشروعات

في عالم العمل الخيري، حيث يلتقي الطموح بالمثابرة، كانت بداية العلاقة بين مؤسسة خيرية ومانح رئيسي، قصة بدأت بمبلغٍ بسيطٍ لكنه كان مفتاحًا لأبوابٍ واسعة، كانت البداية مع تبرع بقيمة 3,000 دينار كويتي، تم تخصيصها لحفر بئر شبه ارتوازي في منطقة نائية أفريقية، تلك البداية المتواضعة كانت مجرد حجر الأساس لمسار طويل من التعاون المثمر الذي يعكس أبعادًا أعمق بكثير من مجرد تمويل مشروعات.

مع مرور الوقت، لم يكن هناك ترف للانتظار أو التراخي، كان الهدف أكبر من ذلك، وكان التوقيت حاسمًا، بمجرد تقديم التقرير الأول عن إنجاز المشروع، والذي كان مجرد بئر شبه ارتوازي، حدث ما لم يكن متوقعًا: أصبح هذا التبرع مفتاحًا لجولة جديدة من التعاون مع المانح، حيث تم رفع المساهمة إلى 10,000 دينار كويتي، هذه المرة كانت لمسجد وبيت للإمام، وكانت خطوة إضافية نحو تحقيق أهداف أكبر، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بينما استمرت المؤسسة الخيرية في تقديم تقاريرها المهنية، كان البطل الذي يقود هذه العملية يواصل تحسين مستوى التفاعل مع المانح، كان يقدم تقريرًا مفصلًا كل شهرين، يتضمن تحديثات شاملة للمرحلة الحالية من المشروع، بدقةٍ استثنائية وبصورٍ توضح سير العمل في الموقع، لم يكن التقرير مجرد وثيقة رسمية، بل كان بمثابة جسرٍ يربط الأطراف، يتحدث بلغة شفافة وواقعية، ويعكس مستوى عالٍ من الاحترافية في تقديم النتائج والإنجازات.

ومع تطور المشروع، لم تقتصر الإنجازات على مجرد بناء المنشآت؛ بل جرى العمل على دراسة جدوى شاملة لمشروع أكبر وأكثر تأثيرًا، كانت هذه الدراسة بمثابة “خريطة الطريق” التي أظهرت للمؤسسة المانحة أن هذا التعاون أصبح أكثر من مجرد مشروع عابر، بل استثمارًا حيويًا، وفي النهاية، تحقق الحلم الكبير عندما تم تخصيص ميزانية تبلغ 1,8 مليون دينار كويتي لهذا المشروع الطموح، الذي ضم إنشاء مجمع تنموي متكامل يهدف إلى خدمة قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية بشرق أفريقيا.

ومع اقتراب موعد افتتاح المشروع، كانت الشراكة قد نضجت إلى مستوى أعلى، لم تكن مجرد علاقة مانح ومتلقى، بل تحولت إلى علاقة شراكة حقيقية، ووفقًا للبرنامج الزمني الدقيق الذي أعدته المؤسسة، كان كل شيء معدًا بعناية، كانت التقارير الشهرية التي تصاحبها الصور اليومية تجسد التزام المؤسسة بالشفافية، بينما كانت وحدة العمل الميدانية تتناغم بشكل مثالي مع المكتب الرئيس لتحقيق الأهداف المنشودة، وقبل افتتاح المشروع، ظهرت مهارات التسويق والتواصل الرفيعة المستوى التي أثمرت عن مشروع آخر بقيمة 400 ألف دينار كويتي، لتُثبت تلك المؤسسة أنها قادرة على المضي قدمًا وتوسيع شبكة تأثيرها.

لكن الاحترافية لم تتوقف عند هذا الحد، كان العمل على مستوى التفاصيل الصغيرة يضاهي الكفاءة الكبيرة، قبل يوم الافتتاح، كان البطل قد اتخذ جميع الترتيبات اللازمة بالتنسيق مع طاقم الطائرة بتجهيز القهوة العربية والتمر، ليكون في استقبال الضيوف بأجواء تقليدية مميزة، وكان المفاجأة الكبرى عندما اكتشف اثنان من أعضاء الوفد أنهما سيحضران حفل الافتتاح، الذي كان يتطلب ارتداء البشت، لكن لم يكن هناك أي منها في حوزتهما. إلا أن البطل كان قد تجهز لهذا الموقف الطارئ، ففاجأ الوفد بتوفير بشتين فاخرين، ليمنح الجميع إحساسًا بالاهتمام والتقدير، وبينما كانت المؤسسة تسير بخطى ثابتة نحو الافتتاح، لم تكن التحديات غائبة عن المشهد. واجهت المؤسسة العديد من الصعوبات خلال مراحل التنفيذ، من تصاريح وإجراءات قانونية إلى تحديات لوجستية في المنطقة، لكن ذلك لم يثنِها عن المضي قدمًا في تحقيق أهدافها.

وفي الختام، تبرز هذه القصة مثالًا يحتذى به في العمل الخيري، حيث أن الشراكة الحقيقية لا تقوم على مجرد التمويل، بل على بناء الثقة وتعظيم الأثر، فقد أثبتت هذه المؤسسة أن الاستثمار في العلاقات هو الطريق الصحيح لتحقيق النجاح الدائم، إن هذه الرحلة، التي بدأت بمبلغ بسيط من 10 آلاف دولار، أصبحت نموذجًا يُحتذى به، وأثبتت أن العمل الخيري عندما يتم تنفيذه باحترافية وبقلب مخلص، فإنه قادر على تحقيق تغييرات جذرية وإحداث أثرٍ مستدام في المجتمع، كما قال صلى الله عليه وسلم: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، تحثنا على تقدير الجهود البشرية التي تساهم في تحقيق الخير، في هذا السياق، كان بناء العلاقة مع المانحين وتقديرهم من الأساسيات التي أدت إلى نجاح المشروع، لقد أكسبت هذه الشراكة المؤسسة تأثيرًا يتجاوز المال، فالتعاون مع المانحين أصبح بناءً حقيقيًا يستحق التقدير، كما عبر الإمام الغزالي عن أهمية الأخلاق في التعامل مع الآخرين، قائلاً: “من حسن خلقه، سهل عليه أمره”. في هذا السياق، كانت شفافية المؤسسة والتزامها بالأخلاق المهنية هي ما منحها القدرة على بناء شبكة علاقات متينة، أسهمت في نجاح المشروع وزيادة تأثيره في المجتمعات المستهدفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top