|
Getting your Trinity Audio player ready...
|
“مشروع أفلام قصيرة لم يشهده التاريخ”
منذ أن عرف التاريخ معنى المحن، وهو يسجّل في دفاتره أسماء الأمم التي انهارت تحت وطأتها، وأخرى قامت من تحت الركام كأنها أزهار تولد من صخر. غير أن غزة كتبت فصلًا لم يشهده التاريخ من قبل، فصلًا يجمع بين الصبر والإيمان، بين الاحتساب والرضا، بين دموع تتساقط على الوجنات وشفاه تتمتم: الحمد لله.
إن مشروع إنتاج أفلام قصيرة عن غزة ليس مجرد فكرة فنية، بل هو أشبه بتلاوة بصرية للمعجزات الجارية هناك. هو محاولة لتوثيق لحظات لا تستطيع الكلمات أن تحملها وحدها، لحظاتٍ تصرخ بالصمت وتبتهل بالصبر.
المشهد الأول: أم على الركام
امرأة خمسينية، تجلس على حجر من بقايا بيتها الذي تهدّم. تحمل بين يديها صورة ابنها الشهيد. لا تصرخ، لا تبكي بالصوت، بل ترفع رأسها إلى السماء وتقول: الحمد لله الذي أكرمني بابن سبقني إلى الجنة.
الكاميرا تلتقط يدها المرتجفة، وعينيها الثابتتين، لتروي للعالم قصة أمّ تفوّقت على الألم بالإيمان. هذا الفيلم القصير وحده كفيل بأن يعلّم العالم أن الصبر ليس مجرد احتمال، بل هو انتصار داخلي على سطوة الحزن.
المشهد الثاني: طفل وحروف الشهادة
في مدرسة محاصرة، طفل لا يتجاوز العاشرة، يكتب على دفتر قديم: “الله أكبر”. تسأله الكاميرا: ماذا تحب أن تكون حين تكبر؟ يجيب بعفوية: “أحب أن أكون شهيدًا مثل أبي”.
في عينيه براءة، وفي كلماته قوة أمة. هذا الفيلم القصير لا يحتاج إلى تعليق صوتي ولا موسيقى تصويرية؛ يكفي أن يُعرض على الشاشة ليهزّ ضمير الإنسانية بأسره.
المشهد الثالث: شيخ واحتساب الأجر
رجل سبعيني، يخرج من تحت أنقاض منزله المتصدّع، يحمل بيده سبحة مكسورة، ويبتسم. يقول أمام الكاميرا: “الحمد لله، نحن ضيوف على الدنيا، والبيت الحقيقي هناك عند ربنا.” هنا يتحوّل الفيلم القصير إلى خطبة بصرية، تلخّص عقيدة كاملة في جملة واحدة.
لغة “الحمد لله”
في كل هذه المشاهد، تتكرر عبارة واحدة: الحمد لله. لا باعتبارها كلمة عابرة، بل باعتبارها سرًّا خالدًا. قال ابن القيم: “من ملأ قلبه بحمد الله لم يعرف الحزن إليه طريقًا.” وغزة اليوم تُثبت هذه المقولة فعلًا، إذ تجعل الحمد مفتاح الصبر، والصبر مفتاح النصر.
من المشهد إلى المشروع
الفكرة أن يتحوّل كل مشهد من هذه المشاهد إلى فيلم قصير لا يتجاوز خمس دقائق. فيلم يُعرض في منصات عالمية، في مهرجانات السينما، في قاعات الجامعات، على شاشات الطائرات، ليصبح رسالة مرئية تتجاوز حدود السياسة واللغة.
هذا المشروع ليس إضافة للمكتبة السينمائية، بل هو إضافة للمكتبة الإنسانية. فكما ألهمت “آنا فرانك” العالم بمذكراتها، ستلهم غزة العالم بأفلامها التي تنطق بالصبر والإيمان.
شهادات العظماء في مرآة غزة
• قال العقاد: “البطولة صبر ساعة.” لكن غزة أضافت: البطولة صبر جيل.
• وقال مالك بن نبي: “المحنة تصنع المعجزة.” وغزة هي المحنة التي أفرزت أعظم معجزة في زماننا.
• وقال ناظم حكمت: “أجمل الأيام لم تأت بعد.” وغزة تشهد أن أجمل الأيام تُولد مع كل فجر يُرفع فيه الأذان بين الركام.
بلاغ للعالم
ليست غزة قضية سياسية فقط، بل هي امتحان عالمي للإنسانية: هل يملك البشر أن يروا الدم ولا يتحركوا؟ أن يسمعوا صرخة طفل ولا يستجيبوا؟ مشروع الأفلام القصيرة هذا يضع العالم أمام مرآة: أنتم أمام غزة، وأمام التاريخ، وأمام الله.
رسالة من وراء البحر
سيظل هذا المشروع أشبه برسالة مكتوبة بدماء الشهداء ودموع الأمهات، رسالة تقول: “نحن صبرنا لله، واحتسبنا عند الله، فكونوا أنتم شهودًا على زمان لم يشهده التاريخ.”
إنه ليس مشروعًا فنيًا فحسب، بل عبادة مكتوبة بعدسة الكاميرا، لتظل غزة معجزة جارية، وصوتًا لا يخبو، وضياءً يوقظ العالم من غفلته.