|
Getting your Trinity Audio player ready...
|

محمد تهامي
خبير التطوير المؤسسي

في زاوية منسية من قارةٍ تنبض بالأمل والوجع، سُجّلت صفحة جديدة من الخير النقيّ… لم يخطها قلم، بل خُطّت بخطى عمانيين نبلاء، جاءوا من أرض اللبان والطيبين… من عُمان، بلد الحكمة والحياء والكرم الأصيل، يحملون دفءَ الجبال وروح البحر، بقيادة الفاضلة: مريم الزعابية – أم لؤي.
لم تكن الزيارة زيارة مؤقتة، بل كانت رجعَ صدى لعهدٍ إنساني ممتدٍّ من السند إلى الزنجبار. كانت “أم لؤي” – كما يسميها رفاقها – ضياء القافلة وقلبها النابض. قائدة لا تتحدث كثيرًا، لكن حديث عينيها يفيض بالرسائل: أن من أحبّ الله، أحبّ الناس، ومن أحبّ الناس، لم يتأخر عن نصرتهم. تمشي وكأن على كتفيها رسالة وطن بأكمله، ورسالة امرأة عمانية من نسل العطاء. وفي اليوم الثاني من الرحلة، وبين تفقدٍ وتوزيع، دمعت العيون من مشهدٍ لا يُنسى: أختٌ من كينيا تلفّعت بنور الشهادة ونطقت بكلمات “أشهد أن لا إله إلا الله”، فرفرفت الأرواح، وترددت “طلع البدر علينا” في أجواء المخيم، كأن المدينة المنورة زارت كينيا من جديد.
الكوكبة المباركة
الخطاب المعمري… صورة ناطقة للقيم. بهدوئه وسعة صدره، يُشبه المنارات العُمانية القديمة التي لا تُطفئها الرياح. حين تراه بين الأطفال، تعرف أن الرجولة ليست في الهيبة فقط، بل في اللين مع الضعفاء، والثبات وقت الشدة. “الخطاب” ليس فقط اسمًا، بل نمط حياة، وكأنه خطابٌ مصور من سطور الكرامة.
راشد الشريقي… خطواته مدروسة كأهل “سمائل”، يوازن بين الحزم والحنو، وفي كل حركة منه شعورٌ عميق بالمسؤولية. إذا خطّط أبدع، وإذا عمل أتقن. يحمل في قلبه همَّ الأمة، وفي يده بركة التيسير.
جميلة الندابية… ليست مجرد اسم جميل، بل حضور يحمل نسيم “نزوى” العتيقة. وجهها مألوف كالأمل، وتفاصيلها تذكرنا بأن الحنان ليس له بديل، وأن المرأة العمانية حين تعطي، فهي تُهدي الكون هدوءًا لا يُشترى.
موزة الدغيشية – أم منصور… وقار وسكينة، كأنك ترى في وقفتها دعاء الجدّات. حكيمة، رزينة، تنثر الطمأنينة في كل مجلس. تُرافقها دعوات من الأرض إلى السماء.
منصور الدغيشي… شابٌ يمشي على درب الرجولة. هادئ الطباع، لكن إنجازاته تتكلم. يسابق الريح لخدمة غيره، وفي ملامحه عزيمة رجلٍ لا يعود حتى يُتم ما بدأه.
أصيلة التوبية… في اسمها سرّها. من معدن الطُهر خُلقت، ومن روح الأصالة جاءت. حين تُمسك بيد يتيم، تشعر أن في كفّها دواءً خفيًّا، وأن عُمان كلها تحتضنه من خلالها.
هدى الحجرية… تمشي كالنور، وتقف كالمنارة. لطيفة، عميقة، وفي نظراتها هداية للمسار. تُحسن الإصغاء، وتُتقن المواساة، وكأنها امتداد لهدى الأمهات في القرى الجبلية.
بشرى النهدية… دائمًا تحمل الخبر الجميل. تُشبه النسائم التي تسبق المطر. بهاجة الحضور، وواسعة القلب، تجعل كل من حولها يبتسم دون سبب.
سلطان البوسعيدي… اسم يذكّرك بالمجد والتاريخ. شابٌ يحمل وقار البيت العريق، ونخوة الرجال الذين يُضيئون بلا ضجيج. يعمل في صمت، ويترك أثرًا لا يُمحى.
وردالمنى الخنجية… الاسم وحده قصيدة. زهرة الحلم، ونَفَس الرجاء. تجسّد الأنوثة العاملة، والرفق القويّ. تُجيد الوصول إلى القلوب دون أن تنطق بكلمة.
حوراء الشيخ… في عينيها حديث لا يُترجم. نقية الروح، شفافة كقطر الندى، تحضر لتحضن العالم بطريقتها، وتغيب لتترك طيفًا من الراحة خلفها.
مريم الشيخ… حضورها صلاة صامتة. كل ما فيها يروي الطمأنينة، وحين تسأل عن حاجات الآخرين، تفعل ذلك كأنها هي الجائعة، وهي العطشى.
محمد الزعابي… فارس هادئ، يحمل من العراقة الزعابية فخرًا، ويترجمها في مبادراته بصدق، حاضر دائمًا وقت الحاجة، وبصمته أبلغ من الخُطب.
نبيل الحارثي… نبيلٌ حقًا كما اسمه. متفانٍ، خلوق، قلبه معلقٌ بأوجاع الآخرين، ولسانه لا يلهج إلا بالكلمة الطيبة. يحوّل التعب إلى طاقة، والرهبة إلى عزيمة.
سليم الندابي… من سلالة الرجال الصبورين. وجهه يحكي عن رحلة طويلة من التضحية والعطاء، وفي خطواته ملامح رجل عركته الحياة، فزادته لطفًا لا غلظة.
نصرا المنجية… سيدةٌ تحمل من “المنجاة” اسمًا ورسالة. إذا حضرَت، حضر السكون. تُجيد التنظيم، وتُتقن الاحتواء، ومحيطها دائمًا في حالة توازن ورضا.
عادل كرم… الاسم والمضمون في اتساق عجيب. عادلٌ في مواقفه، كريمٌ في عطائه، خفيف الظل، لكنه ثقيل الحضور، وأينما مرّ، تفتحت البسمات.
سعيد الندابي… رغم أنه لم يحضر هذا اليوم، إلا أن أثره لم يغب. اسمه يتردد في دعوات الفريق، كأنهم يقولون: “من تخلّف بجسده، حضر بروحه.”
ليسوا عابرين… بل عُمّار القلوب
لم يكن فريق الأحلام مجرد زائرٍ عابر لكينيا، ولا مسافرًا مؤقتًا على خطوط العطاء، بل كانوا – بحق – عُمّار القلوب، وبناة جسور من نور بين عُمان وأفريقيا. جاءوا من البلاد التي قيل عنها في تراثها: “إذا مشى العماني على الأرض، سبقه نُبله.” كلٌّ من الفريق له بصمته، وكل بصمة حكاية، وكل حكاية وطن. حين ساروا في المخيمات، لم يوزّعوا طعامًا فقط، بل بثّوا الطمأنينة… وحين أمسكت أياديهم الصغيرة أيادي الأطفال، لم تكن يدَ عطاء فقط، بل يدَ احتواء…وحين دخلت امرأة إلى الإسلام على أيديهم، لم يكن ذلك مجرّد حدث، بل “فتحًا” كما نطق به التاريخ. في فريق الأحلام، اتّحدت أصالة الزعابية، ووقار الشريقي، ونخوة الندابية، ورفق الدغيشية، وبهاء الخنجية، وسمت الشيخ، وعزم الحارثي، وسكينة الحجرية، وفصاحة المعمري، وهدوء التوبية، وغيرهم من النبلاء، مع قلب أم لؤي، ذلك القلب الذي، كلما ضاق العالم، وسِعَه. لقد أنبتت عُمان في أرض كينيا نخلاتٍ من نور… وستطول الظلال، وتثمر السنابل، ويكبر اليتيم وهو يردد” : هنا مرّ العمانيون… فطابت الأرض.”
عُمان… حين تزرعُ الوفاء في كلّ أرض
وإن سألك سائل: ما الذي يميز أهل عُمان؟ فقل له: فيهم من الحياء ما يسبق حديثهم. ومن اللطف ما يجعل أي أرضٍ تُحبهم قبل أن تعرف أسماءهم. ومن الصدق ما يجعل دعاءهم لا يرتدُّ خائبًا. هم أبناء الشيخ ناصر بن راشد الخروصي حين قال: “من أراد رفعة نفسه، فليحمل همّ غيره.” وهم بنات العُمانيات الأُول، اللائي علّمن العالم كيف يكون العطاء من وراء الحجاب، وكيف يكون الوقار صنعة، لا زينة.
وإلى فريق الأحلام نقول… أيها النبلاء، قد رحلتم عن كينيا، لكن أرواحكم باقية في تفاصيلها… قد عدتم لأهلكم، لكن أسماءكم تُتلى على ألسنة يتامى ومساكين وأمهات مفجوعات. وقد انطفأ مخيم الرحلة، لكن نوركم ما زال يشعّ… فهنيئًا لكم هذا الأثر الذي لا يُمحى، وهنيئًا لعُمان بكم… وإن سُئلتَ يومًا: من هؤلاء؟ فقل: هم “فريق الأحلام”… من عُمان، جاءوا قوافلَ رحمةٍ، وعادوا سُطورًا من المجد، لا تغيب.
