|
Getting your Trinity Audio player ready...
|

محمد تهامي
خبير التطوير المؤسسي

انطلقنا من الكويت في الساعة 10:30 مساءً، والليل يكسو السماء بظلاله الحالمة، وبقايا ضوء الغروب تتسلل بخجل على الأفق البعيد، لتختلط بألوان المدينة المتوهجة. مع كل خطوة نحو بوابة المغادرة، شعرنا أن الرحلة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل رحلة داخلية، ومسيرة روحية تحمل معنا المعاني التي تحيا في كل قلب، والود الصادق الذي يرافقنا أينما ذهبنا.
مع كل وداع للعائلة، وكل ابتسامة صادقة من الأصدقاء، شعرنا أننا نحمل رسالة قبل أن نحمل الحقائب، وأن هذه الرحلة تحمل في طياتها إرثًا من القيم، وعطاءً يمتد إلى ما هو أبعد من المكان والزمان. الجلوس في مقاعد الطائرة، بينما ترتفع المحركات، كان شعورًا مركبًا بين الإثارة، الترقب، والامتنان لله على نعمه التي جعلتنا قادرين على هذه المسيرة، ومع كل نبضة قلب، ترددت في النفس أدعية صامتة لكل من نحب، ولكل من نريد أن نصل إليه بالخير والرسالة. الرحلة إلى الدوحة استغرقت ساعة واحدة، لكنها كانت مليئة بالإحساس. من النافذة، كان منظر المدينة التي نبتعد عنها يتلألأ تحت أضواء الليل، شعور بالحنين والامتنان، وهدوء داخلي يوازي ضجيج الرحلة. خلال هذه الساعة، تبادلنا الحديث عن المعاني التي تحيا في كل عمل، والدروس التي نحملها معنا، وكيف يمكن للرفقة الطيبة أن تجعل الرحلة أكثر دفئًا وأعمق تأثيرًا.
الترانزيت في الدوحة استغرق ساعتين، لكنه لم يكن مجرد انتظار، كان نافذة للتفكير، وميدان لتبادل الأفكار، وممارسة للإبداع المؤسسي، ومساءً لصقل الروح والنية الصادقة. جلسنا معًا نتحدث عن كيفية أن يكون لكل مشروع قيمة حقيقية، وكيف يمكن أن يكون لكل عمل أثر ممتد. كانت النقاشات ممتدة، لكنها عميقة، لأنها جمعت بين القلب والعقل، بين الخبرة والنية، وبين العمل والاحتساب.
غرة ربيع الأول كانت حاضرة معنا في كل تفصيل صغير، ليس كتاريخ على التقويم، بل كرمز للتجدد والفرص الجديدة. كل خطوة، كل حديث، كل لحظة صمت، كانت تذكيرًا بأن الأعمال الصالحة والنية الصافية تترك أثرًا خالدًا، وأن الرحلة تحمل طابعًا روحيًا وذكرى طيبة ستظل معنا دائمًا.
مع انطلاق الرحلة نحو زنجبار، استغرقت ست ساعات، كان الليل قد أرخى سدوله على السماء، والنجوم تتلألأ برقة بين الغيوم، فيما نسير فوق البحر. شعورنا كان مركبًا من السكينة، الإثارة، والشغف بالوصول إلى وجهة الرحلة: جامعة زنجبار، رمزًا للعلم والعمل، والتوجه نحو صقل العقول بالمعرفة، وفي الوقت نفسه ممارسة المعاني التي نحملها معنا. كل نظرة من النافذة، كل حركة يد، كل ابتسامة بين الرفاق، كانت تذكيرًا بقوة الرفقة الطيبة، وبأن كل رحلة تصبح أكثر ثراءً عندما نتشاركها بالنية الصافية والعمل الصالح.
خلال الطيران، كانت اللحظات تتعاقب بين السكون، والحديث، والأفكار، والدعاء. كنا نتأمل في كيفية أن يكون لكل عمل مؤسسي قيمة إضافية، وكيف يمكن للرفقة الطيبة أن تصنع الفرق في النجاح، وكيف يمكن لكل خطوة أن تحمل معنى وأثرًا. كل ابتسامة، كل فكرة، كل دعاء، وكل لحظة صمت كانت إحياءً للمعاني التي تحيا، وتجسيدًا لروح العمل الإنساني، وممارسة للإبداع المؤسسي في الحياة الواقعية.في كل دقيقة على الطائرة، ومع نسيم البحر العليل الذي يتسلل عبر فتحات المقصورة، كانت النفوس ترتاح وتغتسل من كل ضغوط السفر، وكل تعب الطريق، ليحل محلها الهدوء الداخلي، والتأمل، والشعور بقدرة كل لحظة على صنع الفرق. كنا نحمل معنا الدعوات للأهل، للأصدقاء، وللمحتاجين في كل مكان، وللحياة التي تمنحنا الفرصة لنكون أفضل، وأن نترك أثرًا يتجاوز حدودنا المادية والزمنية.
مع مرور الوقت، ومع اقترابنا من الوصول، تأكدنا أن السفر الحقيقي ليس فقط عبورًا للمكان، بل عبور للمعاني، للروح، وللأثر الذي نتركه في العالم. كانت الرحلة تجربة مكثفة، تغمرنا بالإحساس، بالمعنى، وبالقيمة. كل دقيقة، كل حديث، كل حركة، كل لحظة صمت، كانت رسالة حية بأن العمل المشترك، والإبداع في الخدمة الإنسانية، يمكن أن يتحول إلى رحلة روحية ومعنوية حقيقية. زنجبار، بروحها، وبمعانيها الحية، علمتنا أن السفر ليس مجرد الانتقال من مكان إلى آخر، بل هو رحلة للمعنى، للحياة، للعمل، وللقيم التي تحيا وتستمر، وتجعل كل لحظة من الرحلة درسًا خالدًا، وأثرًا ممتدًا للأبد.
مع هبوط الطائرة، ومع أول نظرة للجامعة، شعرنا أننا نحمل معنا أكثر من أمتعة، كنا نحمل قصصًا وتجارب، أفكارًا ودروسًا، ودعوات صامتة لكل من نحب وكل من يحتاج الخير، وأن كل لحظة كانت درسًا في الإنسانية، والإبداع، والرفقة الطيبة، والروحانية. في نهاية الرحلة، كانت قلوبنا ممتلئة بالشكر لله على نعمة السفر، وعلى الرفقة الطيبة، وعلى القدرة على تجربة المعاني في كل لحظة، وعلى أن كل رحلة يمكن أن تصبح رسالة حية، ودرسًا في الإنسانية والإبداع المؤسسي والعمل الصالح الذي يمتد أثره بعيدًا.