غزة.. معجزة الصبر والإيمان (1/2)

Getting your Trinity Audio player ready...

محمد تهامي

خبير التطوير المؤسسي

“مشروع أفلام قصيرة لم يشهده التاريخ”

ليست غزة مدينة على الخريطة، بل أيقونة على صفحة التاريخ، تنبض بالصبر، وتسطّر بالإيمان معجزاتٍ لا تُقاس بمقاييس البشر. في أزقتها الضيقة، وبين بيوتها المهدّمة، يولد كل يوم مشهد لم يشهده العالم: طفل يبتسم في حضن الركام، أمّ ترفع عينيها للسماء شاكرة رغم الدمع، شيخ يحتسب الأجر وكأنما يملك كنوز الأرض.

من هنا تنبثق فكرة مشروع إنتاج أفلام قصيرة عن غزة؛ مشروع لا يضيف مشاهد جديدة إلى مكتبة الصورة العالمية، بل يضيف رسالة لم يشهدها التاريخ: أن هناك شعبًا آمن بأن الصبر عبادة، وأن الشهادة حياة، وأن “الحمد لله” ليست عبارة تقال بلسان ثقيل، بل لحن يسكن القلب حتى في لحظة الوداع الأخيرة.

غزة: معجزة جارية

حين كتب العقاد عن البطولة، وصفها بأنها “صبر ساعة”. لكن غزة أثبتت أن البطولة قد تكون صبر أجيال، تنتقل من رحم أمّ شهيدة إلى كتف طفل أسير، ومن حجر مهدوم إلى مئذنة باقية. كل فيلم قصير يُنتج عن غزة ليس رواية بصرية فقط، بل صفحة من كتاب الإيمان المفتوح على مرأى العالم.

عدسة تلتقط الأجر

الكاميرا حين تُوجَّه إلى غزة، فهي لا تبحث عن صورة إخبارية، بل عن ومضة نور. إنها تلتقط لحظة احتساب الأجر، لحظة تسليم الروح لرب العالمين بلا شكوى، لحظة يغدو فيها الحزن عبادة، والدموع صدقة، والابتسامة جهادًا. من هنا يصبح الفيلم القصير ليس فنًا فحسب، بل دعاءً مصوَّرًا يدوّنه الزمن في صحائفه.

لغة “الحمد لله”

ثمة كلمة تتكرّر على ألسنة أهل غزة حتى باتت شعارًا كونيًا: “الحمد لله”. تُقال على طعام شحيح، على جراح نازفة، على بيت مهدّم. تُقال لا لأنهم جهلوا المعاناة، بل لأنهم فهموا سرّ الوجود: أن كل شيء عند الله بحساب، وأن الرضا سبيل النجاة. كل فيلم قصير يمكن أن يكون لوحة تُظهر كيف تتحول “الحمد لله” من عبارة إلى حياة.

نحو مشروع عالمي

إن مشروع إنتاج أفلام قصيرة عن غزة ليس تجربة محلية، بل رسالة كونية. فكما ألهمت “آنا فرانك” العالم بقصتها في الحرب العالمية، ستلهم غزة العالم بأفلامها القصيرة التي تحكي الصبر والإيمان. ستغدو هذه الأفلام وثائق حيّة، لا تزيّفها السياسة، ولا تطمسها الأخبار المتسارعة. ولأن العالم اليوم يستهلك المشاهد أكثر مما يقرأ الكلمات، فإن الفيلم القصير يصبح أبلغ من مجلدات. وما يُنتج عن غزة لن يكون إضافة لمكتبة السينما، بل إضافة لمكتبة الإنسانية.

شهادات العظماء
• قال الإمام ابن تيمية: “ما يفعل أعدائي بي؟ جنتي في صدري.” وهكذا يقول الغزّيون اليوم: ما يفعل الحصار بنا؟ جنتنا في صدورنا.
• وقال الشاعر التركي ناظم حكمت: “أجمل الأيام لم تأت بعد.” أما غزة فتؤكد أن أجمل الأيام تبدأ كل فجر، حين يُرفع الأذان رغم الركام.
• وقال مالك بن نبي: “المحنة تصنع المعجزة.” وغزة اليوم معجزة قائمة بحد ذاتها، محنةٌ تحوّلت إلى ملحمة.

بلاغ للعالم

إن مقالاً كهذا ليس خاتمة الكلام، بل بداية الحكاية. مشروع الأفلام القصيرة عن غزة هو محاولة لكتابة التاريخ بعيون الكاميرا، حيث يصبح كل مشهد رسالة، وكل رسالة شهادة، وكل شهادة وثيقة للإنسانية كلها.

وغزة ستظل تُلهمنا أن نقول معًا:
“الحمد لله على صبرهم، الحمد لله على إيمانهم، الحمد لله الذي جعل من دموعهم منارات، ومن آلامهم معجزات.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top