|
Getting your Trinity Audio player ready...
|

محمد تهامي
خبير التطوير المؤسسي

في زمن يضج بالضجيج، ويتكاثر الصوت لكنه يندر فيه الفعل، يبرز صوتان يحملان رسالة مختلفة، وهما يعبران عن نداء غائب في المشهد العربي السياسي. هذان الصوتان، رغم اختلافهما الجغرافي والأسلوبي، يتشاركان في إحساس عميق بضرورة بناء مستقبل جديد، لا يقوم على وهْم الصوت الأعلى، بل على حوار الأفق الأبعد.
أحمد الشرع: الحكمة الصامتة
أحمد الشرع، القادم من أرض سوريا الجريحة، لا يمثل حالة فردية فقط، بل رمز لمثقفين وسياسيين يسعون بصمت إلى إعادة بناء الوطن من خلال مؤسسات قوية، راسخة، وعادلة، هو لا يصرخ، بل يؤمن بأن التحول الحقيقي يبدأ من المؤسسات، من بناء مؤسسات تحكمها العدالة، الشفافية، والمساءلة. فهو يدرك أن الخطاب السياسي المشتت لا يصنع الدول، وإنما الهندسة السياسية القائمة على المعرفة والوعي. يرتبط الشرع بأفكار محمود درويش عندما قال: “نحن نحب الحياة إذا استطعنا إليها سبيلا”، وهذا يعني أن البناء الحقيقي للحياة هو في العزيمة المؤسسية، لا في الخطابات الانفعالية.
أحمد طنطاوي: صوت الغضب
من القاهرة، ينطلق أحمد طنطاوي كرمز للغضب المشروع، صوت الطبقات الشعبية والشارع الذي طال صمته، هو القوة التي تصر على فضح الظلم، والكشف عن فساد النخبة، ويقف بشجاعة أمام من يريدون استعباد الشعوب بصمتها، طنطاوي يحمل في كلماته تلك القوة التي تشبه كلمات مالكوم إكس حين قال: “القوة لا تُمنح، بل تُنتزع”، وهو بذلك يذكر الجميع أن الكلمة أداة ثورية، لا يمكن أن تكون مجرد زينة فوق منصة
لقاء الضفتين
هل يمكن للصوتين، الشرع الهادئ والطنطاوي الثائر، أن يلتقيا في رؤية واحدة؟ الواقع يقول: نعم، لكن بشرط أن ندرك أن بناء الدولة لا يكون بعجلة الغضب فقط، ولا بهدوء المؤسسات فقط، بل بتكامل هذين العنصرين. إن تجربة إحدى المؤسسات في شرق إفريقيا تقدم نموذجًا حقيقيًا يحتذى به. هذه المؤسسة التي تأسست في بيئة ملتهبة سياسيًا وأمنيًا، جمعت بين قيادة رشيدة تعتمد الشفافية، ومبادرات مجتمعية تحرك الغضب المشروع إلى أعمال بناء. قيادة المؤسسة لم تكن تسير فقط على سياسات تقليدية، بل كانت تستمع إلى صوت الشارع، وتدمجه مع التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد
القيادة الرشيدة
القيادة الرشيدة هي التي تراعي المعادلة الصعبة، توازن القوة والثقة، بين الصرامة والرحمة، بين الحزم والحوار. إنها ليست مجرد منصب، ولا شهرة، بل أمانة وطنية تتطلب: نظافة اليد بعيدًا عن المصالح الشخصية، رؤية وطنية جامعة، مقاومة الانصياع للضغوط الخارجية، التفاعل مع هموم المواطن اليومية، والتزام واضح بمبدأ العدالة الاجتماعية، وصدق من قال: “الوطن هو كل شيء، ولا شيء أهم من بناء الوطن.” وهذا ما يفتقده واقعنا العربي كثيرًا
الشعب شريك وليس جمهورًا فقط
ولا يمكن للقيادة الرشيدة أن تنجح دون شعب واعٍ يدرك قيمة الوطن ويعلو فوق المصالح الضيقة والانتماءات القبلية، لأن الشعوب هي الأساس، وهي التي تعطي الشرعية الفعلية، فالتاريخ يقول لنا إن الأمم التي نجحت هي التي لم تكتف بالقيادة السياسية فقط، بل قامت على تلاحم بين القيادة والشعب، مثل تجربة جنوب إفريقيا بعد أبردايت، حيث وحدة المجتمع أسست لأمل جديد.
التكامل الإقليمي
الوحدة ليست حلما بعيد المنال إذا ما توفرت الإرادة السياسية الصادقة. الفرص أمامنا أكبر من التحديات، مع جيراننا في: السودان، ليبيا، تركيا، الخليج، أفريقيا، كلها امتدادات تاريخية وجغرافية وشعبية، هذه الوحدة يجب أن تُبنى على احترام السيادة، تعاون مشترك، وتكامل اقتصادي وأمني، بعيدًا عن التفرقة التي هي عدوة التقدم.
ختامًا: خارطة طريق الغد
1.بناء مؤسسات شفافة وقوية، تقودها قيادة وطنية نظيفة اليد.
2.تعزيز مشاركة الشعب، عبر آليات ديمقراطية حقيقية، وحوار مجتمعي شامل.
3.تفعيل الصوتين: عقلاني وهادئ، وغاضب وواقعي، في صياغة القرار.
4.العمل على وحدة إقليمية مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
5.مقاومة الضغوط الخارجية من خلال سياسات استقلالية واضحة.
حين يلتقي الشرع والطنطاوي، لا يُولد صوت واحد، بل سيمفونية وطن بأكمله. سيمفونية تتنفس بصوت العقل وقلب الغضب، تبني ولا تهدم، تصبر ولا تستسلم، هذا هو الغد الذي نحلم به، وطن لا يُدار بالصوت الأعلى، بل بالبصيرة الأبعد.