حوار بين ليلة القدر ويوم عرفة “العطاء حين تكلّم”

Getting your Trinity Audio player ready...
محمد تهامي

محمد تهامي

خبير التطوير المؤسسي

محمد تهامي

خبير التطوير المؤسسي

في بقعةٍ لا تقع على الخريطة، في لحظةٍ لا تُسجّلها الساعات، حيث يلتقي المقدّس بالمكنون… اصطفّت النجوم صامتة، وكتمت الرياح شهقتها، حين تناجى سرّان من أسرار الله:

ليلة القدر… تمشي على أطراف الغيب، تحمل في ردائها سلامًا يُسكِت الحروب.

ويوم عرفة… نهار من نور، ترتجف الأرض حين يدنو، وتبتسم السماء حين يرتفع الدعاء.

المقطع الأول: من أنت؟

ليلة القدر (بصوت ناعم كنسيم فجر رمضان)

من أنا؟ أنا الوتر الذي تتشوّف له القلوب في العشر، أتخفّى بين ليالٍ وترية… لا يراني إلا من سهر بنية، وبكى بخشية، ورفع يديه كما ترفع الأرواح.

يوم عرفة (بصوت يجلجل بوقار وحنو)

وأنا؟ أنا التجمّع الأعظم منذ خُلق آدم، أنا الذي تنظر فيه السماء إلى الأرض فتبتسم، أنا اليوم الذي قال فيه الحق لعباده: أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم.

المقطع الثاني: من أقرب إلى الله؟

ليلة القدر (بحنان غامض)

في ليلتي، تتنزل الملائكة… لا واحدة، بل كلّهم، ومعهم الروح… جبريل ذاته. لا ضجيج في ليلتي، فقط “سلام”… حتى مطلع الفجر.

يوم عرفة (بخشوع يرتجف)

أما أنا… فإن ربّ العرش ينزل إلى السماء الدنيا، ينظر إلى الواقفين في العراء، فيباهي بهم أهل السماء،

ويقول: ما أراد هؤلاء؟

ليلة القدر (تخفض صوتها)

إذن… كيف يُقارن نزولهم بنزوله؟

يوم عرفة (يبتسم بنور) لا نُقارن، بل نكمل بعضنا…فالنزولُ رحمةٌ، لكن العبد هو الحَكَمُ في الاستفادة.

المقطع الثالث: ماذا رأيتَ؟ وماذا رأيتِ؟

يوم عرفة: رأيتُ رؤوسًا مرفوعة، وعيونًا مغسولة، رأيت رجلاً يقول: يا الله، وهو يبكي منذ الفجر، وامرأةً رفعت يديها من دعاء لأبنائها حتى غفَت،

رأيت طفلاً ضائعًا عن أهله، لا عن الله.

ليلة القدر: وأنا رأيت قلبًا انكسر عند الآية رقم ٥، رأيت من ختم القرآن وهو يرتجف، ومن لم يعرف أن يقرأ حرفًا، لكنه رفع يديه، وقال: أنت تعلم قلبي يا الله. رأيت سِجادة تشهد أن أحدهم بكى عليها أربعين دقيقة دون أن ينطق بشيء.

المقطع الرابع: سرّ العطاء

يوم عرفة: يكفّر الله بي ذنوب عامٍ مضى، وعامٍ لم يأتِ، أُعتِق الرقاب، وتُمحى الخطايا…ما من يوم أعتق الله فيه أكثر منّي.

ليلة القدر: وأنا؟ أنا خير من ألف شهر… لا ألف يوم… لا ألف عام… بل ألف شهر من الطاعة الخالصة.

تُكتب الأرزاق، وتُختم الأعمار، وتُرسَل المقادير.

المقطع الخامس: من الغالب؟

يوم عرفة: فيكِ خفاء، وفيّ ظهور. فيكِ الأجر، وفيّ الجمع. فيكِ الملائكة، وفيّ الرضا الإلهي المباشر.

ليلة القدر: وفيكِ التكبير، وفيّ القرآن. وفيكِ عرفات، وفيّ الأنفال.

كلاّنا بابان إلى الله…فمن ولج منّي، فاز…ومن أدركك، نجا…ومن جمع بيننا، غمرته الرحمة من كل جانب.

المقطع الأخير: وصيّة للقلوب

معًا، بصوت تتشابك فيه أنفاس النورين: أيها العابرون بين رمضان وذي الحجة…لا تجعلونا موسمًا في الرزنامة، بل صحوة في العمق.

اجعلوا ليل القدر موطئًا لنهار عرفة…وسجودَ العشر، تمهيدًا لدمعة يوم الوقفة

ختام خاشع: اللهم اجعل لنا في ليلة القدر حظًا لا يُضام، وفي يوم عرفة دعوة لا تُرد…اكتبنا في الراكعين في الأولى، والمبتهلين في الثانية… واجعل لقاءنا معك في الفردوس، كما جمعت بيننا في مواسم الطهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top