|
Getting your Trinity Audio player ready...
|
مقدمة
هناك لحظات لا تُسجّل في دفاتر الأخبار، بل تُكتب مباشرة في سجل الخلود، لحظات يتوقف عندها نبض الزمن، ويشهق العالم دهشة وحزنًا، ثم يسكت احترامًا أمام عظمة الموقف. في الحادي عشر من أغسطس 2025، ارتقى ستة من فرسان الكلمة في غزة، برفقة قلوبهم التي لا تعرف الخوف، وعدساتهم التي لا تعرف الكذب، ليتركوا للأرض شهادتهم، ويأخذوا معهم للسماء صدقهم.لم يذهبوا لتصوير مشهد عابر، بل خرجوا ليشهدوا أمام الله والناس على جريمة تُرتكب في وضح النهار، فسبقوا القذائف بالصورة، وسبقوا الصورة بالنية الخالصة، حتى إذا انفجرت السماء فوقهم، كانت أبواب الجنة أوسع من أن تُخطئهم، وكانت الملائكة تكتب أسماءهم في سجل {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر}.
النص
كنتم شهودًا قبل أن تكونوا شهداء. شهدتم زيف العالم حين صمت، وخيانته حين زيّف الحقائق، فواجهتموه بعدسات تلتقط الحقيقة كما يلتقط العطشان أول قطرة ماء.
في لحظة استشهادكم، لم تسقط الكاميرات، بل تحولت إلى مشاعل نور في السماء، تبثّ صوركم على شاشات الخلود. دماؤكم اختلطت بتراب غزة، لكنها لم تتسرب إلى الأرض وحدها، بل سالت في عروق الأمة، لتذكّرها أن الحرية ثمنها الدم، وأن الكلمة إذا صدقت صارت أقوى من ألف طلقة.
يا أنس الشريف، ويا رفاقه الخمسة، أنتم اليوم لستم أسماء في نشرة الأخبار، أنتم آيات في كتاب النضال، وأنتم النجوم التي ترشد العابرين في ليالي الأمة الطويلة. كل لقطة التقطتموها قبل الرحيل، صارت شاهدًا على أن العدسة قد تهزم الدبابة، وأن الصورة قد تطارد القاتل حتى في نومه. كنتم تعرفون أن الخطر أقرب إليكم من التنفس، لكنكم اخترتم أن تظلوا في الميدان، لأن الشرف لا يُصوَّر من بعيد. أنتم النار التي تحرق جليد الخوف، وأنتم الماء الذي يروي جذور الكرامة. أنتم صيحة الحق التي لن يسكتها موت، وابتسامة الثبات التي تعلّم الأجيال أن الرجولة موقف، وأن الشهادة بداية حياة لا تنتهي.
الخاتمة
سلامٌ عليكم يوم خرجتم تحملون الكاميرا كسيف، وتتصدرون الميدان كقادة، وتقفون في وجه الباطل كجدار من نور. سلامٌ عليكم يوم ارتقيتم من ضجيج الدنيا إلى سكون الجنة، ويوم تلتقي أرواحكم الطاهرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
رحمكم الله رحمةً واسعة، وجعل شهادتكم مفتاحًا لانتصار قادم، ونارًا تحرق ستائر الكذب، ونورًا يهدي قلوب الأحرار في كل زمان ومكان.
ستظل صوركم تُروى، ودماؤكم تُبكى، وكلماتكم تُتلى، مرة بعد مرة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها…
فأنتم ستة منابر من نور، وأصواتكم وإن صمتت في الدنيا، فإن صداها يجلجل في أبدية التاريخ، شاهدًا أن الكلمة إذا خرجت من قلب مؤمن، لا تموت أبدًا