حين تصير القيادة أمانة والأثر حياة

Getting your Trinity Audio player ready...
محمد تهامي

محمد تهامي

خبير التطوير المؤسسي

محمد تهامي

خبير التطوير المؤسسي

ليست كل المؤسسات سواء، فثمة مؤسسات تولد لتبقى، لا لأنها تملك المال أو النفوذ أو القاعات الفخمة، بل لأنها تُبنى على قلوبٍ نابضة، وأيادٍ صابرة، وأرواحٍ آمنت أن خدمة الإنسان هي أسمى ما يُسجَّل في صحيفة الحياة. إنها مؤسسة آسيوية رائدة، إنسانية–تنموية–قيادية، تحيا بالأمل، وتعلّم أن القيادة ليست كرسياً ولا لقبًا، بل أمانة ومسؤولية وسعيٌ لبناء أثر يتجاوز حدود الزمن.
يقول القائل: “لا تعش في الظل، بل اجعل من وجودك ضوءًا لغيرك”، وهكذا فعلت هذه المؤسسة. فمنذ بدايتها، كانت رسالةً قبل أن تكون مبنى، وروحًا قبل أن تكون هيكلًا، وقيادةً قبل أن تكون مناصب. كل من انتمى إليها لم ير فيها مجرد جهةٍ يعمل معها، بل بيتًا كبيرًا يجد فيه المعنى، ويشعر فيه بالكرامة، ويستيقظ فيه الأمل.

مدرسة قيم قبل أن تكون مؤسسة

هذه المؤسسة ليست مشروعًا اقتصاديًا ضخمًا فحسب، بل مدرسة قيم يتخرج منها جيلٌ بعد جيل، يحملون الأمانة بأيديهم والرحمة في قلوبهم. فيها الآباء الذين أسسوا اللبنات الأولى، والأمهات اللاتي صنعن الصبر والمثابرة في البيوت، والشباب الذين حملوا الفكرة في قلوبهم كأنها شعلة لا تنطفئ.لم تُقَم هذه المؤسسة على أنقاض غيرها، بل على إرادة نقيّة رأت في كل تحدٍ فرصة، وفي كل ألم حافزًا، وفي كل إنسان رسالة. ومن هنا، لم يكن غريبًا أن تجد فيها من يتعامل مع العمل كأنه عبادة، ومع الواجب كأنه شرف، ومع القيادة كأنها عهد أمام الله والناس.

أمل يتجدد رغم التحديات

مرت على المؤسسة أيام لم تكن سهلة، تضييق في الموارد، شكوك من الخارج، صعوبات في الداخل، لكنها آمنت أن الأمل هو الوقود الذي لا ينفد. وكما قال كونفوشيوس: “في قلب كل صعوبة، تكمن فرصة”. فكل عقبة واجهتها لم تكن نهاية الطريق، بل بداية لمسار جديد يُثبت أن ما يبنى على الصدق لا يهدمه الزمن. كانت التحديات بمثابة اختبارات لقوة الفكرة، فجعلت المؤسسة من كل أزمة منطلقًا لتجديد العزم، ومن كل ضعف مساحة لابتكار قوة، ومن كل نقص فرصة لخلق وفرة. لم تركن يومًا إلى الحسرات، بل دفعت بها نحو أفقٍ أوسع، لتغدو أنموذجًا في تحويل الألم إلى أمل.

القيادة الرشيدة الرشيقة

ما يميز هذه المؤسسة حقًا هو قيادتها؛ فهي قيادة رشيدة لا تسعى وراء الألقاب، ورشيقة تعرف كيف توازن بين المبادئ والمرونة. ليست جامدة أمام المتغيرات، ولا متقلبة بلا ثوابت، بل تمشي بخفة الطائر وعمق الجذر.قال نيلسون مانديلا: “القائد الجيد هو الراعي: يبقى خلف القطيع، يترك الأكفأ يتقدم، وحين يتعثرون، يكون هو من يقف ليحميهم”. هكذا كانت قيادة هذه المؤسسة، لا تسعى للصدارة بقدر ما تسعى لحماية القافلة من الانكسار، وتوجيه الجميع نحو الهدف المشترك. فيها قادة لم يروا القيادة سلطة، بل أمانة، ولم يعاملوها كنهاية الطريق، بل كبداية لمسيرة جديدة. كل فرد فيها مشروع قائد، وكل امرأة مشروع رائدة، وكل شاب مشروع مناضل بالعلم والهمة والعمل. إنها القيادة التي تحرر الطاقات، لا التي تقيدها، والتي تصنع القادة، لا التي تستهلكهم.

مؤسسة تبني الإنسان قبل البنيان

القوة الحقيقية لهذه المؤسسة لم تكن في جدرانها ولا في مكاتبها، بل في الإنسان الذي آمنت به. رأت أن الفقر يُعالج بالعلم والتمكين، وأن الجهل يُهزم بالمعرفة، وأن الضعف يتحول إلى قوة حين يجد الإنسان من يؤمن به. لذلك، كانت برامجها التعليمية والمهنية والإنسانية ليست مجرد أنشطة، بل استثمار في الإنسان، وصناعة لمستقبل تتناقله الأجيال. فمن تخرج منها لم يخرج بمهارة مهنية فقط، بل خرج بفلسفة حياة، ترى في الخدمة رفعة، وفي التضحية فخرًا، وفي العطاء هوية.

أثر يتجاوز الأجيال

إن أجمل ما يُقال عن هذه المؤسسة أنها لم تعش لتبقى وحدها، بل لتُبقي أثرًا. الأثر هو الذي جعلها تتجاوز حدود بلدها لتلهم مؤسسات أخرى في آسيا والعالم. الأثر هو الذي جعل أبناءها يرون في كل طفلٍ يتعلم، وفي كل أسرة تُعان، وفي كل مشروعٍ يُبنى، صفحة جديدة في كتاب الخلود. كما قال مالكوم إكس: “المستقبل ينتمي لمن يعدّ له اليوم”. هذه المؤسسة تعدّ للمستقبل لا ببرامج مؤقتة، بل بقيم راسخة، لا بمشاريع عابرة، بل برسالة ممتدة. وما تصنعه اليوم ليس لأجل حاضرها فقط، بل لأجل الغد الذي سيقرأ قصتها ويستلهم منها دروس القيادة الرشيدة الرشيقة.

أمانة ورسالة

في جوهرها، المؤسسة ليست تنظيمًا ولا مجرد كيان إداري؛ إنها رسالة أمانة. كل من ينتمي إليها يشعر أن اسمه ارتبط بسجلها، وأن أثره مرهون بصدق عطائه فيها. القيادة فيها تعني أن تُعطي أكثر مما تأخذ، أن ترى أبعد مما يراه غيرك، وأن تؤمن أن الأمانة أثقل من الجاه، لكن ثمرتها أبقى من كل منصب.هذه هي المؤسسة الآسيوية الرائدة التي تحيا بالأمل وتُخلّد الأثر. ليست مجرد قصة نجاح عابرة، بل نموذج عالمي في أن القيادة الحقيقية ليست في الكراسي، بل في النفوس المؤمنة، ولا في الألقاب، بل في الأثر الممتد.هي مؤسسة إنسانية–تنموية–قيادية، جمعت بين العقل والقلب، بين القيمة والفعل، بين الحلم والعمل. والأجمل أنها أثبتت أن الأمل ليس فكرة تُقال في لحظة، بل حياة تُعاش في كل لحظة، وأن المؤسسات التي تُبنى على هذا الأمل لا تموت، بل تُخلّد أثرها جيلًا بعد جيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top