|
Getting your Trinity Audio player ready...
|

محمد تهامي
خبير التطوير المؤسسي

في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء، وتتآكل فيه الحقائق بين صدى الحناجر ووميض الشاشات، يخرج صوتان من قلب العاصفة. لا يلتقيان في الجغرافيا، لكنهما يتقاطعان في السؤال الأكبر: إلى أين تمضي هذه الأمة؟ وفي فلك هذا السؤال، يبرز رجلان. لا ليكرّرا الخطاب القديم، بل ليُعلنا بدء التحوّل.
أحمد الشرع: غدٌ يتسلّل من تحت ركام الصمت
من سوريا الجريحة، لا من شاشاتها، يظهر أحمد الشرع. هادئٌ لا يهمس، مفكّرٌ لا يُعلِن، يشبه ظلًّا يتقدّم بينما ينهار السقف من فوق الجميع.
ليس ثوريًا بمقاييس الإعلام، لكنه ثائرٌ على العجز المزمن. لا يرفع شعارات، بل يطرح أسئلة. لا يُراوغ، بل يُعيد تعريف المعركة: ليست بين طرفين، بل بين وعيٍ قديم وغدٍ موعود. الشرع يشبه حجر الأساس الذي لا تراه، لكنه يحمل البناء.
يتسلّل بهدوء إلى مستقبلٍ يحتاج من يعيد كتابته، لا من ينوح على ماضيه.
أحمد طنطاوي: الغضب الذي يُتقن الإصغاء
من مصر، من قلب الميدان الذي لم يخفت صداه، يخرج أحمد طنطاوي. لا يتوسّل المنصة، بل يصعدها محمّلاً بوهج السؤال: من يحكم، ولماذا؟ طنطاوي ليس زعيمًا كلاسيكيًا، ولا ناشطًا طارئًا.
هو مزيجٌ نادر: بين راديكالية ناصرية، ووعي شبابي يقرأ التويتر كما يقرأ الدستور. كلماته ليست جُملًا بل قنابل زمنية: لا تنفجر فورًا، لكنها تُقلق صمت المؤسسات. إنه لا يُجامل أحدًا، لكنه لا يُعادي أحدًا أيضًا. هو الغضب الذي تعلّم أن يُفكّر، لا أن ينفجر.
حين تتقاطع الضفتان
هما لا يتشابهان في اللفظ، ولا في الإيقاع، لكنّهما يشتركان في النواة:
رفض الموروث السياسي كما هو.
الإيمان بأن التغيير لا يأتي من القمم، بل من جذور الشارع.الشرع يُشبه العقل البارد الذي يبني. طنطاوي يُشبه القلب الساخن الذي يرفض.
وحين يلتقي العقل والقلب، لا يولد الصدام، بل يولد الميزان.
أيّهما يحمل مفتاح الدولة القادمة؟
قد يظنّ البعض أن طنطاوي أكثر تأثيرًا، والشرع أكثر عمقًا. لكن الحقيقة أن الجماهير تهتف للصوت، ثم تلجأ إلى الحكمة حين تحترق الأصوات. فمن منهما يُمهّد الطريق؟
من يُعيد تشكيل الدولة؟ من يصنع الوعي الجديد؟ ربما كلاهما… إن التقيا لا كخُطبتين متوازيتين، بل كيدين تبنيان وطنًا لا يشبه ما قبله.
دولة الصوتَين: خيالٌ أم حتمية؟
تخيّل وطنًا وُلد من لحظة نادرة اجتمع فيها رجلان:
• الشرع يرسم خريطة المؤسسات كمهندس يتقن التوازن.
• وطنطاوي يحدد الأولويات كمن قرأ العذاب في وجوه البسطاء.
الشرع لا يُحبّ الضجيج، وطنطاوي لا يخشى الضجيج. الأول يؤمن بأن العدالة تسبق كل شيء، والثاني يصرّ على أن الكرامة لا تُؤجَّل. وحين يتبادلان المواقع، كما يتناوب الليل والنهار على جسد الأمة، تولد دولة جديدة. دولة تُدار بالصوت الهادئ الذي يُفكّر، وبالصوت الجريء الذي يوقظ. دولة لا تُكافئ الصمت، ولا تعاقب الكلمة، بل تحتكم إلى الحقيقة أيًا كان ناطقها.
على الحائط الأول للدولة الوليدة
في تلك الدولة، لا يعلو من يصرخ، بل من يشرح. ولا يحكم من يُرضي الجميع، بل من يملك خريطة الخلاص. وفي مساء أول يوم من عمرها، لا يُرفع علم، بل يُكتب على جدارها الأول: “هذه البلاد لن تُدار بالصوت الأعلى، بل بالبصيرة الأبعد.”