|
Getting your Trinity Audio player ready...
|

محمد تهامي
خبير التطوير المؤسسي

كان المساء في زنجبار يغمره ضوءٌ خافت، كما لو أن غروب الشمس كان يودع تلك الأراضي التي كانت على مدار قرون تنبض بالأصالة والمجد. في تلك اللحظات الهادئة، جلس شيخ عماني حكيم في مجلسه بالقرب من البحر، يراقب الأمواج التي تتناثر حول الصخور، فتذكَّر تلك الأيام التي تربط بين عمان وزنجبار.
- الشيخ العماني: “تذكرت أول مرة وصلت فيها إلى هذه الجزيرة، كانت عيوني تراقب كل شيء هنا بحذر، إلا أنني سرعان ما شعرت أن هذه الأرض، بكل تفاصيلها، تعرفني جيدًا. رغم المسافات البعيدة، كانت عيون أهالي زنجبار تحمل نفس الأمل، نفس الطموح الذي حمله آباؤنا وأجدادنا من عمان. هنا حيث التلاقي بيننا وبينهم، بين البحرين العظيمين، البحر الذي يربط بين أرواحنا.”
- الرجل الزنجباري: “نعم، أخي العماني، نحن أبناء البحر نفسه. هذا البحر الذي عبرناه معًا، وسمعنا همسات التاريخ فيه. ولكن ما أعمق العلاقة بيننا! إن العلاقة التي تجمعنا ليست مجرد صداقة، بل هي التقاء لأجيال من العطاء. كنا وما زلنا نمثل معًا دروب التجارة، طريق العبور عبر المحيط الهندي، وقلوبنا كانت تشع بالحب لتلك اللحظات التي تجمعت فيها سفننا وأرواحنا.”
- الشيخ العماني: “إن هذا النهر اللامتناهي من التبادل الثقافي بيننا، بدأ منذ قديم الزمان. الزمان الذي شهد فتوحاتنا البحرية، وكان زنجبار نقطة التقاء الحضارات التي انطلقت من عمان عبر البحر، فنشأت بيننا روابط من القيم، من العلم، من الفكر. رغم أن هذا البحر لم يكن ليتركنا في راحة دائمة، فإنه كان يبني فينا الإيمان بأننا قادرون على تجاوز أي صعاب، وأن الاتحاد بيننا هو قوة تتجدد باستمرار.”
- الرجل الزنجباري: “أنت على حق، يا شيخ. نحن ورثنا منكم حب العلم والعمل. فكل يوم نمر عليه هنا في زنجبار، لا يكون مجرد يوم عادي، بل هو يوم يقف فيه التاريخ أمامنا، يذكرنا بقدرة الإنسان على بناء حضارة عظيمة من خلال العمل الجاد والاستقامة. تعلمنا منكم أن العمل ليس مجرد وظيفة، بل هو رسالة، والأمانة لا تقتصر على التعامل مع الآخرين فقط، بل مع أنفسنا أيضًا.”
- الشيخ العماني: “الاستقامة، نعم. هي الجوهر الذي يجب أن ينبثق من كل شيء نقوم به. فإن الاستقامة ليست مجرد مبدأ نبني عليه مجتمعنا، بل هي سلوك نربي عليه الأجيال القادمة. فكما قال العقاد: ‘الاستقامة في العمل لا تحتاج إلى تفسير، إنها شعور داخلي يتجسد في الخارج’. ولهذا، عندما أرى أبناء زنجبار يعملون بجد ويحافظون على هذه المبادئ، أشعر بأن الزمان لا يزال يمدنا بتلك الأواصر، أواصر العزيمة والصدق.”
- الرجل الزنجباري: “وفيما يتعلق بالاحترافية، فإن ما تعلمناه من عمان هو أن الاحترافية ليست مجرد كفاءة، بل هي طريقة حياة، هي تسخير المهارات لخدمة المجتمع بصدق وبراعة. وعندما نصل إلى مستويات أعلى من العمل المشترك بيننا، فإننا نتعلم أن الاستدامة هي أساس البناء. نحن لا نبني فقط من أجل اليوم، بل نزرع من أجل الأجيال القادمة، لكي ينمو كل شيء في هذه الأرض.”
- الشيخ العماني: “إن الاستدامة التي نتحدث عنها هي استدامة الروح والرسالة، هي بقاءنا في الذاكرة رغم مرور الزمن. كما كان يقول الرافعي: ‘إن الاستدامة لا تكون في البقاء فقط، بل في القدرة على التأثير في الآخرين’. هذه الفكرة هي ما يُجسد التقاليد العمانية الأصيلة التي تُعلمنا أن نزرع بذور الخير أينما حللنا.”
ثم نظر الرجل الزنجباري إلى الشيخ العماني، وعيناه تملؤهما الدموع.
- الرجل الزنجباري: “أنت محق، يا شيخ، إن الارتباط الذي يجمعنا ليس مجرد تاريخ. إنه عيش يومي يتجسد في تعاملنا، في عملنا، في تفكيرنا المشترك. كما أن التلاقي بيننا ليس مجرد لحظة، بل هو سيمفونية خالدة في ذاكرة التاريخ. نحن هنا معًا، لا ننسى أبدًا أن ما يجعلنا أحياء هو عطاءنا، هو نضوجنا معًا.”
نظر الشيخ العماني إلى البحر، ثم إلى الرجل الزنجباري، وقال مبتسمًا:
- الشيخ العماني: “سنظل دائمًا مخلصين لهذه الأمانة، أمانة الحب والعمل والإيمان المشترك. وتظل أيدينا ممدودة دائمًا للأجيال القادمة، لنذكرهم بأن التلاقي هو أكبر ثمرة يمكن أن نجنيها. ما زال العطاء مستمرًا، وما زال النور مشرقًا بيننا.”
وبينما كانت الأمواج تتلاطم عند الشاطئ، كانت كلماتهم تتناثر في الأجواء، تحمل رسائل خالدة، على أمل أن تكون بداية جديدة لرحلة تعاونية أخرى بين عمان وزنجبار وكل المناطق التي جمعها هذا البحر العظيم.